نشأته
I am no poet, but if you think for yourselves, as I proceed, the facts will form a poem in your minds.
Michael Faraday
ولد مايكل فاراداي عام ١٧٩١ في مقاطعة سري (لندن حاليا) بإنجلترا من أب حداد لأسرة من أصول إيرلندية تنتمي إلى أحد المذاهب المسيحية من الأقليات, ترك المدرسة بعد السنة الأولى الإبتدائية ليحصل فقط على مبادئ القراءة والكتابة والرياضيات, وعمل في محل لتجليد الكتب وهو في ١٤ من عمره. بالرغم من مستوى تعليمه المتدني (لدرجة أنه لم يكن يعرف أن كل جملة جديدة يجب أن تبدأ بحرف كبير!) وضعفه الشديد في الرياضيات, إلا أنه شُغف كثيرا بالعلم, فقرأ كل الكتب المتوفرة في محل عمله, العلمية منها خاصة, ويعتبر نموذج للعالم الذي طور نفسه بنفسه وكان يقوم بعدد كبير جدا من التجارب مع تركيز كامل لدرجة أنه كثيرا ما يتأخر على موعد أكله أو ينسى أن يأكل وأحيانا يمر أكثر من يوم وهو لا يتلفظ إلا بكلمة أو كلمتين لمساعده من شدة تركيزه.
كان مايكل يرى أن عدم قدرته على النطق بحرف الراء ستشكل له عائقا في المستقبل, فصمم في إحدى الليالي على أن يتعلم كيفية نطقه وطلب من أخته أن تفتح فمها وتنطق حرف الراء بالطريقة الصحيحة ثم بالطريقة التي يلفظها هو, مستعينا بشمعة تكاد تحرق شفتيها, وبدأ يتمرن مرات عديدة حتى تمكن من نطق الحرف بالصورة الصحيحة.
تجليد الكتب
وافق السيد ريباو (صاحب محل تجليد كتب) على توظيف فاراداي ليوصل الصحف لزبائنه ثم قبله عنده فيما بعد كمتدرب وعلمه في محله لتجليد الكتب لمدة ٧ سنوات وكان يقوم بخياطة الصفحات ورصها وطباعة العنوان على ظهر الكتاب وتقطيق الجلد وجمع أجزاء الكتاب كلها مع بعض. هذا العمل اليدوي السريع والدقيق استفاد منه مايكل لاحقا في تركيب الآلات والأجهزة التي يحتاجها للقيام بتجاربه في المعمل والتي بطبيعتها حساسة جدا وتحتاج للكثير الكثير من الصبر وكانت هذه الصفات التي يتمتع بها مايكل والتي دفعت بالجمعية الملكية لإختياره كمساعد في الجانب التجريبي للأبحاث, خاصة المتعلقة بالزجاج البصري.
عقيدته
That sounds like a strange sect, but really we’re just simple Christians who take the Bible seriously.
Michael Faraday
انتمى جد فاراداي لأحد المذاهب المسيحية التي تبنت تفسيرا صارما للإنجيل ويعرفون بالساندمانيون Sandemanian (نسبة لروبرت ساندمان) وتركز تعاليمها على الفصل بين الكنيسة والدولة (تطبيقا لقول المسيح: مملكتي ليست من هذا العالم) ويحرص أتباعها على الزهد في المسائل المالية والمتع الدنيوية بنفس طيبة لإستشعارهم أنهم يرضون الرب بذلك. وتركز مواعظهم على المحبة والرجاء فللمنتمين لهذه الطائفة إيمانا هادئا ساكنا. ويمتنعون عن أكل ما لم يسل دمه ولا يتزوجون من خارج طائفتهم.
ونشأ مايكل في بيت متدين, وكان تدينه هو الحجر الأساس الذي بنى عليه بقية حياته فيما بعد, فكان هدفه من طلب العلم واضحا, وهو التوصل لمعرفة القوانين الربانية التي وضعها الله في الكون والتي تعكس إحسان الرب على مخلوقاته بتسخير هذا الكون لهم. فهو من خلال تجاربه العلمية يقوم بقراءة كتاب الطبيعة الذي كتب بإصبع الرب, كما يقول فاراداي.
الكهرباء
But still try, for who knows what is possible...
Michael Faraday
صدفة, وقعت عيني فاراداي على مقالة عن الكهرباء في الموسوعة البريطانية للكيميائي جيمس تايتلر تشرح بإسهاب وبالصور التجارب الكهربائية في القرن السابق, ولم يشعر فاراداي بنفسه إلا بعد فترة نسي خلالها أن عليه عمل يريد أن ينجزه, فأجبر نفسه على غلق الكتاب وزاول عمله لكن تفكيره كان في ما قرأه عن الكهرباء من الموسوعة وقرر بأن يقوم ببعض التجارب ليرى إن كان ما ذُكر في الموسوعة صحيحا أم لا.
فأحضر قطعة من الكهرمان (مادة عضوية متحجرة) وحكها ببنطاله ثم قربها من مجموعة من الورق الممزق, ورأى, غير مصدق, نتف الأوراق كيف تدب فيها الحياة كأن هناك مجموعة خيوط خفية انطلقت من الكهرمان لتتحكم بالأوراق.
قفز فاراداي من كرسيه فرحا ومرددا "إنها تعمل! إنها تعمل!".
أجرى بعدها العديد من التجارب المماثلة, ولدهشته من هذه الظاهرة قام بقراءة كل ما وجد مما هو متعلق بهذا الموضوع. ومما قرأه عن طاليس تفسيره لما يحدثه الكهرمان بعد حكه بالورق بأن له روحا تجذب الورق, انزعج فاراداي عندما قرأ هذا الرأي لأنه يعارض الأنجيل بشكل صريح بأن البشر هم فقط من يمتلكون روح, ومع ذلك فقد ظل مأخوذا بالكهرباء, وعاهد نفسه بأن يتعلم كل ما يمكن تعلمه عنها.
في ١٨١٠ انضم مايكل إلى جمعية المدينة للفلسفة وهو بعمر ١٩, وهي جمعية أسسها مجموعة من الشباب لتطوير أنفسهم علميا, بحيث يلتقون مرة كل أسبوعين في منزل جون تاتوم لإقامة المحاضرات العلمية وبعض التجارب, وداوم فاراداي على حضور محاضرات جون تاتوم العلمية (في الكهرباء, البصريات, الجيولوجيا, الكيمياء, الفلك, والميكانيكا النظرية والعملية) والتي فتحت آفاقا رحبة في عقله وأسسته علميا. وخلال هذه المجموعة وجد نفسه بين أناس يشاركونه نفس الاهتمام والشغف العلمي والرغبة لتعلم المزيد, ولكنه بسبب مستوى تعليمه المدرسي الشبه منعدم, لاحظ أنه أقلهم فرصة للتقدم علميا, وقرر أن يستعين بمن حوله ليتغلب على بعض العقبات, وأول ما اختاره هو تطوير لغته, التي يدرك مدى ضعفه بها من ناحية التهجئة والنحو والترقيم, فطلب من زميله إدوارد مكراث أن يعطيه دروسا لساعتين اسبوعيا والتي استمرت ٧ سنوات حيث تحسنت قدرته على التعبير عن نفسه بشكل كبير. كذلك أخذ دروسا في الرسم ليتمكن من شرح تجاربه المخبرية. وأكثر من استفاد منه هو بنيامين ابوت والذي كان مستوى تعليمه الجيد وتدينه صفتين جعلتاه صديقا مناسبا لمايكل.
وفي ١٨١٣ نجح فاراداي, بعد محاولات عديدة, في الحصول على وظيفة في المعهد الملكي البريطاني كمساعد في المختبر وأعطي غرفة ليسكن فيها. وفي تلك الأثناء كان مهتما جدا بالكيمياء وكثيرا ما كان المحاضرون يستعينون به في محاضراتهم لمعرفتهم بمهارته. وبنهاية العام ذهب في رحلة خارج لندن مع الكيميائي الشهير همفري ديفي إلى فرنسا وإيطاليا وألمانيا. ولعل أكثر ما استفاده من هذه الرحلة هي ملازمته للعالم هيمفري ديفي الذي يعتبر من أشهر الكيميائين حينها.
في عام ١٨١٦ نشر فاراداي أول ورقة علمية له في الكيمياء في مجلة العلوم الفصلية ثم استمر في نشر المقالات العلمية وإلقاء المحاضرات.
وفي ١٨٢٠ مارس الكيمياء التحليلية وعمل عدة اختبارات للغازات الناتجة عن البيض بعد تركه لمدة معينة ولمجموعة من اللحوم بعد تجفيفها وكانت بعض الشركات تطلب منه تحليل بعض العينات, ونتج عن عمله في الكيمياء اكتشافه للبنزين, وأختير عضوا في المعهد الملكي البريطاني عام ١٨٢٤. وكانت فترة العشرينات من القرن التاسع عشر هي الفترة التي صب فيها فاراداي جل تركيزه في مجال الكيمياء
الكهرومغناطيسية
Faraday is, and must always remain, the father of that enlarged science of electro-magnetism.
James Clerk Maxwell
في عام ١٨٢١ طلب أحد أصدقاء فاراداي أن يكتب مقالة تاريخية عن الفرع العلمي الجديد الذي يعرف بالكهرومغناطيسية, فقرأ مايكل أعمال أورستد (أول من لاحظ أن التيار الكهربائي يولد مجالا مغناطيسيا), وأراقو, وأمبير وأعاد القيام بتجاربهم ودرس نظرياتهم عن كثب وكان حينها يعتقد (مثل غيره) بأن القوة الكهرومغناطيسية هي قوة تسير على شكل خطوط مستقيمة, ولكن بعد معاينته للتجارب بنفسه لاحظ عدم دقة هذا التفسير.
كان نتاج بحثه مقالتين الأولى بعنوان Historical Sketch of Electromagnetism والثانية بعنوان On Some New Electromagnetic Motions, and on the Theory of Magnetism وخرج من تجاربه واستنتاجاته النظرية بظاهرة جديدة وهي الدوران الكهرومغناطيسي Electromagnetic Rotation بحيث قام فاراداي في إحدى تجاربه بملئ حوض صغير بالزئبق ووضع في المنتصف مغناطيس, وجعل سلكا يتدلى من أعلى الحوض موصولا بدائرة كهربائية, وعندما مر التيار الكهربائي في السلك بدأ بالدوران حول المغناطيس, أي أن فاراداي استطاع أن يحول الطاقة الكهربائية إلى طاقة ميانيكية, وهذا يعد أول موتور كهربائي. وعندما نشر مايكل عمله في ١٨٢١ ترجمت المقالة للعديد من اللغات واشتهر في أوروبا حيث لم يكد يخلو مختبر إلا واحتوى على نسخة من الجهاز الذي استخدمه فاراداي للقيام بتجربته.
ولعل عدم حصول فاراداي على التعليم والتدريب الأكاديمي ساعده في تقبل فكرة مختلفة عن الفكرة السائدة, وهي وجود قوة دائرية (وليست مستقيمة) منبعثة من القطب المغناطيسي أو السلك الحامل للتيار الكهربائي, كانت هذه الفكرة تزعج غيره من العلماء (مثل أمبير) لكونها تتعارض مع فيزياء نيوتن.
وظل فاراداي لسنوات يفكر ويتسائل في ما إذا أمكن توليد تيار كهربائي من المغناطيس (مثلما يتولد مجال مغناطيسي من التيار الكهربائي), وفي ١٨٣١ قام بالتجربة التي زادت من شهرته أكثر, بحيث اكتشف امكانية ذلك بما يعرف بالحث الكهرومغناطيسي.
واستمر فاراداي في تقديم محاضراته الأسبوعية كل ليلة أحد في المعهد الملكي البريطاني حتى عام ١٨٦٢, وكان يشرح ويبسط فيها أفكاره ونظرياته العلمية وبعضها يتعلق بالحديث حول أحدث الإكتشافات والتجارب العلمية. ومنها سلسلة محاضرات شهيرة تحولت فيما بعد إلى كتاب بعنوان The History of Candle يهدف من خلالها تحبيب الناشئة في العلم.
وفاته
No wonder that my remembrance fails me, for I shall complete my 70 years next Sunday; — and during these 70 years I have had a happy life; which still remains happy because of hope and content.
Michael Faraday
بدأت صحة فاراداي بالتدهور بعد بلوغه السبعين عاما, وكانت آخر محاضرة له في ١٨٦٢, وتوقف عن إلقاء المحاضرات بسبب معاناته من النسيان وعدم قدرته على الرسم وضعف بصره. وفي عام ١٨٦٧ توفي مايكل فاراداي وهو جالس على كرسيه بعد أن عاش ٧٦ عاما, قضى جلها في سبيل العلم, وأثناء فترة حياته العلمية الطويلة صاغ بعض المصطلحات الجديدة والتي لازالت تستخدم مثل الكاثود (القطب السالب) والإلكترود (القطب الكهربائي) والأيون واليوم يستخدم مصطلح "فاراد" لقياس السعة الكهربية. وشيد نصب تذكاري بإسمه وسميت إحدى الحدائق الصغيرة في لندن بإسمه وأطلقت الجمعية الملكية جائزة فاراداي منذ عام ١٩٨٦.
روابط
مراجع
Michael Faraday: A Biography by L. Pearce Williams
Michael Faraday: Father of Electronics by Charles Ludwig
Faraday: The Life by James Hamilton