العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جدا, فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة, فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهبا للهموم والأكدار.
عبدالرحمن السعدي
سام هاريس |
الفيلسوف وعالم الأعصاب الأمريكي سام هاريس (ولد 1967) له العديد من المؤلفات والمحاضرات التي أثارت جدلا بسبب أفكاره حول الدين والعلم والأخلاق وتناوله إياهم بإسلوب ينحو كثيرا إلى العقلانية, ودعوته إلى اعتماد الفن والعلم والفلسفة كمصادر رئيسة للقيم والأخلاق بديلا عن الدين.
تحدث في محاضرة طويلة عن الموت وأهمية العيش في اللحظة الراهنة وما يخالج الإنسان عند تيقنه بقرب موته من ندم على إسراف أوقاته في أمور لم تكن تستحق. هنا أترجم جزء من المحاضرة التي أرى أن كل شخص يمكنه أن يستفيد منها في حياته:
إنها دائما الآن.
في الحقيقة، أردت التحدث اليوم عن الموت. في حين أن معظمنا يسعى جاهدًا لتجنب التفكير في الموت، إلا أن هناك جزءً من عقولنا يدرك دائما أن هذا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. جزء منا يدرك دائما بأننا على بعد زيارة إلى الطبيب أو اتصال هاتفي لنتذكر بشكل صارخ حقيقة فنائنا نحن أو المقربون منا.
أنا متأكد أن الكثير منكم الآن في هذه القاعة خَبَر ذلك بطريقة ما. لا بد أنكم تعرفون مدى فظاعة رميكم خارج مسار الحياة الطبيعية بلا سابق إنذار، ليصبح شغلكم الشاغل أن تظلوا على قيد الحياة، أو تعتنوا بشخص كذلك.
لكن الشيء الوحيد الذي يميل الناس لإدراكه في لحظات كهذه هو أنهم أسرفوا كثيرا من أوقاتهم حينما كانت الحياة طبيعية. وهو ليس فقط ما فعلوه بأوقاتهم، ليس لأنهم أنفقوا الكثير من الوقت في العمل أو بأنهم يتفقدون بريدهم الإلكتروني بهوس، ولكن لأنهم اكترثوا للأشياء التي لا تستحق، فهم نادمون على ما استحوذ على انتباههم عاما بعد عام حينما كانت الحياة طبيعية.
وهذا بالطبع تناقض فكلنا يعلم أن هذه اللحظة آتية، أعني، ألم تكن تدري أنها آتية؟ ألم تكن تدري بأن سيأتي يوم ما حيث ستمرض أو سيتوفى أحد أقربائك وستنظر ورائك لتلك الأمور التي استحوذت على اهتمامك وستفكر، "ماذا، مالذي كنت أفعله؟" أنت تعرف هذا، لكن إذا كنت مثل معظم الناس، فستقضي أغلب أوقاتك في الحياة تتوقع ضمنيا أنك ستحيا للأبد; كأن تشاهد فيلما سيئًا للمرة الرابعة أو تخاصم زوجتك. ما أعنيه، هذه التصرفات تكون منطقية في حال وجود أبدية، فمن الأولى أن تكون ثمة حياة أخرى إذا كنا سنسرف أوقاتنا بهذه الطريقة.
وهذا بالطبع تناقض فكلنا يعلم أن هذه اللحظة آتية، أعني، ألم تكن تدري أنها آتية؟ ألم تكن تدري بأن سيأتي يوم ما حيث ستمرض أو سيتوفى أحد أقربائك وستنظر ورائك لتلك الأمور التي استحوذت على اهتمامك وستفكر، "ماذا، مالذي كنت أفعله؟" أنت تعرف هذا، لكن إذا كنت مثل معظم الناس، فستقضي أغلب أوقاتك في الحياة تتوقع ضمنيا أنك ستحيا للأبد; كأن تشاهد فيلما سيئًا للمرة الرابعة أو تخاصم زوجتك. ما أعنيه، هذه التصرفات تكون منطقية في حال وجود أبدية، فمن الأولى أن تكون ثمة حياة أخرى إذا كنا سنسرف أوقاتنا بهذه الطريقة.
هناك وسائل عملية للعيش في اللحظة الراهنة. ما البديل؟
إنها دائما الآن.
برغم شعورك أنك تحتاج إلى التخطيط للمستقبل لتتنبأ به أو لتقلل المخاطر، حقيقة حياتك هي الآن. قد يبدو ذلك ساذجا، لكنها الحقيقة. هي ليست حقيقة فيزيائية، في الواقع لا يوجد لحظة راهنة (الآن) تشمل كل الكون. لا تستطيع ذكر حدث يقع بالتزامن هنا وآخر في نفس اللحظة يقع في مجرة أندروميدا.
في الواقع، (الآن) ليس معرّفة بدقة في علم الأعصاب لأننا نعرف أن المدخلات تأتي إلى الدماغ في لحظات مختلفة، وأن الوعي مبني على طبقات متعددة من المدخلات الغير متزامنة هي التي تُنتج الوعي في اللحظة الراهنة. فبعض المشاعر غدت ذكرى لكن من خلال تجربة الوعي حقيقة حياتك هي دائما الآن.
وأرى أن هذه الحقيقة محررة حول طبيعة العقل البشري. في الواقع، أرى أنه لا يوجد شيء أولى بالفهم حول عقلك سوى ذلك إذا أردت أن تكون سعيدًا. الماضي ذكرى، هو خاطرة تطفو في الحاضر. المستقبل مجرد توقع، هو خاطرة أخرى تطفو الآن. ما نملكه بحق هو هذه اللحظة.
وهذه.
وهذه.
ونقضي معظم حياتنا في تناسي هذه الحقيقة، في رفضها، الهروب منها، تجاهلها. والمرعب أننا ننجح.
قررنا أن لا نتصل مع اللحظة الراهنة وإيجاد كفايتنا فيها، لأننا نأمل باستمرار بأن نكون أسعد في المستقبل، والمستقبل لا يأتي أبدا، حتى حين نظن بأننا في اللحظة الراهنة، نكون بطرق رقيقة ننظر من عليها لنتوقع مالذي سيحدث بعد. في الإمكان أن تلقي مشاكلك ببساطة إذا ولو للحظة، وتستمع بحقيقة حياتك الراهنة مهما كانت. هذا لا يستلزم معلومات جديدة أو معلومات أكثر. بل يلزم تغييرا في السلوك، يلزم تغييرا في الانتباه الذي توليه تجاه تجربتك للحظة الراهنة.